هي التي شيدت أعلى
الأبراج, وبنت أروع الصروح الهندسية العملاقة, وغرست ركائز الحديد والفولاذ في
تربة أرقى عواصم الدنيا, فحصدت أرفع الأوسمة, ونالت أعلى الميداليات الذهبية.
هي التي كانت العلامة
الفارقة في تسجيل القفزات النوعية التي حققتها لمساتها الفنية المنسابة في
الفضاءات المفتوحة بخطوطها المنحنية المتشابكة المتفجرة فوق قمم التحدي.
هي التي انحنى لها
المهندس المعماري الياباني الشهير (كينزو تانغا), وسمح لها بالجلوس على كرسيه في
جامعة هارفارد, وهي التي تنحى لها عن عرشه (البروفسور سوليفان) فحلت محله, وتربعت
على كرسي الهندسة المعمارية في جامعة شيكاغو بكل جدارة واستحقاق.
فان هذه المرأة
العراقية هي التي انفردت بتحدي المفاهيم المعمارية الرازحة تحت وطأة غبار التقليد
الأعمى, وهي التي راحت تتمرد على قوانين الهندسة الاقليدية, ومناهجها الموروثة,
حتى أزاحتها عن مركز الصدارة المعمارية, وحلقت بالتصاميم الهندسية في سماء التفوق
بأجنحة العلوم المستقبلية المتجددة, فارتقت بالعمارة الحديثة نحو الآفاق الإبداعية
الرحبة, وتميزت بنزعتها الفطرية الجريئة, ورغباتها التواقة لفك ارتباط العمارة من
خاصية الاستقرار والتموضع, فجاءت تكويناتها متمردة على قوانين الجاذبية, متخمة
بالالتواءات والانحناءات, مشبعة بالتنافر والتشظي, تميل إلى الانكماش والتمدد في
الفراغات ضمن حدود إمكانيات الحيز المتاح, وبالقدر الذي يضفي على المشهد شحنات
هائلة من الأناقة والإثارة والجمال.
ولانت لإرادتها صفائح
الفولاذ في شرق الأرض وغربها, وانحنت لقامتها قضبان الحديد في المشاريع المعمارية
الجبارة, ورضخت لأفكارها المتجددة الأحجار الصلدة في كافة أرجاء المعمورة.
فهي التي وقف لها
العالم كله إجلال واحتراما وتقديرا, ووضعتها مجلة (تايم) في المرتبة الأولى بين
المفكرين الأكثر تأثيرا هذا العام (2010), واختارتها منظمة التربية والعلوم
والثقافة (اليونسكو) ضمن قائمة فناني السلام الذين استخدموا نفوذهم وسمعتهم العالمية
في تعزيز المثل العليا, ومنحتها المنظمة جائزة (برتزكر), وهي بمثابة جائزة نوبل
للهندسة, وصارت سيدة العمارة العالمية, واختارتها مجلة (فوربس) في صدارة قائمة
أقوى نساء العالم, ومن بينهن الملكة إليزابيث الثانية.
هذه المرأة هي (زُها
محمد حسين حديد), المرأة التي عكس اسمها في لسان العرب معاني الفخر والافتخار,
ومعاني الشموخ والثقة العالية
ولدت زُها في رحم
بغداد عام 1950, وأنهت دراستها الإعدادية فيها, وهي من أسرة موصلية أصيلة, لكنها
مازالت تعشق صفاء ونقاء بيئة اهوار الجنوب, وتحن إلى بيتها الذي نشأت وترعرعت بين
جدرانه في ضواحي بغداد العريقة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق